التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
المختارية هم أتباع المختار بن أبي مسعود بن عمرو الثقفي الكذاب، وكان المختار هذا هو من قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في ثقيف كذاب ومبير". فما
قصة المختارية
هم أتباع المختار بن أبي مسعود بن عمرو الثقفي الكذاب.
كان في صدر شبابه مع عمِّه سعد بن مسعود الثقفي الذي كان أميرًا على المدائن.
ولمـَّا بُويِع الحسن رضي الله عنه بالخلافة وخرج حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن قال المختار لعمِّه سعد بن مسعود: يا عم هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية. فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوثقه، بئس الرجل انت.
بَيْدَ أنَّ المختار لم يكن ذا منهجٍ مستقيمٍ ينتهجه، ولذلك نراه يندسُّ في صفوف الدعاة للحسين رضي الله عنه حينما مات معاوية وأرسل أهل الكوفة إلى الحسين رضي الله عنه يلحُّون عليه في الخروج إليهم ليكون خليفةً للمسلمين. ولمـَّا بعث الحسين رضي الله عنه ابنَ عمِّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة وقال له: سر إلى أهل الكوفة، فإن كان حقًّا ما كتبوا به عرِّفني حتى ألحق بك. وخرج مسلم حتى قَدِمَ الكوفة وعليها النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنهما، فاختفى مسلمٌ عند رجلٍ يُقال له عوسجة، وأخذ يستكشف الأمر ويدعو إلى الحسين سرًّا حتی بایعه أكثر من اثني عشر ألفًا، فكتب مسلم إلى الحسين وسأله القدوم إليه، فلمَّا همَّ الحسين بالخروج نصحه الناصحون ألَّا يخرج إلى العراق لِمَا عُرِفَ عن أهلها من الغدر بأبيه وأخيه، ولكن الحسين رضي الله عنه أصرَّ على الخروج إلى الكوفة، فلمَّا عَلِمَ یزید بن معاوية بخبر خروج الحسين أسند ولاية الكوفة إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة، ولمـَّا استقرَّ الأمر لابن زیاد وقُتِلَ مسلم بن عقيل وانتهى به الأمر إلى قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله عنه، علم ابن زیاد أنَّ المختار ابن أبي عُبيد كان ممَّن أسهم في الدعوة للحسين مع مسلم بن عقيل، وأنَّه لا يزال مختفيًا قرب الكوفة، فأمر ابن زیادٍ بإحضاره، فلمَّا دخل عليه رماه بعمودٍ كان في يده فشتر عينه وحبسه حتى شفع فيه أحد أصهاره، فأخرجه ابن زیاد من الحبس وقال له: أجَّلتُك ثلاثة أيَّامٍ فإن خرجت فيها من الكوفة وإلَّا ضربت عنقك. فخرج المختار هاربًا إلى مكة وبايع عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وأراد أن يكون وزيرًا له، بيد أنَّ ابن الزبير لم يطمئن له ولم يركن إليه لِمَا عَلِمَه من تقلُّبه وطمعه وغروره.
ولمـَّا أحسَّ المختار بالجفوة من ابن الزبير هرب إلى الكوفة وقد كانت دخلت في ولاية ابن الزبير بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية، فلمَّا دخل المختار الكوفة أخذ يبثُّ الدُّعاة في شيعة الكوفة ونواحيها يعدهم بأن يخرج طالبًا بثأر الحسين رضي الله عنه، فمالت إليه الشيعة واغترُّوا به، فلمَّا قويت شوكته سار إلى قصر الإمارة بالكوفة وأخرج منه عبد الله بن مطيع العدوي عامل ابن الزبير. وقَتَل المختار يومئذٍ كلَّ من كان بالكوفة من الذين قاتلوا الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء.
وغلب المختار على الكوفة وابتنى لنفسه دارًا، واتَّخذ بستانًا أنفق عليه أموالًا عظيمةً أخرجها من بيت المال، وفرَّق أموالًا عظيمةً على الناس ليكتسب وُدَّهم، وأراد أن يُسالم ابن الزبير فكتب إليه يُعلمه أنَّه إنَّما أخرج ابن مطيع من الكوفة لعجزه عن القيام بها، وطلب من ابن الزبير أن يحتسب له ما أنفقه من بيت المال، ولكن ابن الزبير رفض ذلك رفضًا باتًّا، فخلع المختار طاعته وكتب إلى عليِّ بن الحسين رحمه الله يُرغِّبه في أن يدعو الناس إلى بيعته وإعلان إمامته، وبعث له مالًا جزيلًا. ولكن علي بن الحسين رحمه الله لم يقبل ذلك منه، حتى لم يُجبه على كتابه وسبَّه على رءوس الملأ في مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأظهر كذبه وفجوره في دعواه الميل إلى أهل البيت.
فلمَّا يئس المختار منه كتب إلى عمِّه محمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله يُریده على مثل ذلك، فأشار عليه علي بن الحسين رحمه الله ألَّا يُجيبه إلى شيءٍ من ذلك، وبيَّن لعمِّه أنَّ الذي يحمل المختار على ذلك ليس حبه في أهل البيت؛ وإنَّما رغبته في اجتذاب قلوب العامَّة بدعوی میله إلى أهل البيت، وباطنه مخالفٌ لظاهره، إذ هو من أعدائهم لا من أوليائهم، وأشار علي بن الحسين رحمه الله على عمِّه أن يُشهر أمره وأن يُظهر كذبه على نحو ما فعل هو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشار ابن الحنفية رحمه الله بعض ذوي قرباه في ذلك فقال: لا تفعل، فإنَّك لا تدري ما أنت عليه من ابن الزبير. فسكت عن عيب المختار، فأخذ المختار يدعو إلى إمامة محمَّد بن الحنفيَّة مدَّعيًا أنَّه المهدي الوصي. وكان يقول للشيعة: لقد بعثني المهدي الوصي. بعثني إليكم أمينًا ووزيرًا وأمرني بقتل الملحدين والدفع عن الضعفاء.
ولمـَّا استفحلت قوَّته بعث إبراهيم بن الأشتر مع ستَّة آلاف رجلٍ لقتال عُبيد الله بن زياد والأخذ بثأر الحسين، وكان عبيد الله بن زياد بالموصل في ثمانين ألفًا من جند الشام. وقد ولَّاه عليهم عبد الملك بن مروان، فالتقى الجيشان على باب الموصل عند نهر الخازر، فدارت الدائرة على ابن زياد وجيشه وقتل منهم سبعون ألفًا فيهم عبيد الله بن زياد والحصين بن نمیر السكوني، وحُمِلَت رأس ابن زیاد إلى المختار، وتمَّت ولايته على العراقين والجزيرة إلى حدود أرمينيَّة.
ولمـَّا تمَّ له ذلك تكهَّن وصار يسجع کسجع الكهَّان، ومن ذلك قوله: الحمد لله الذي جعلني بصيرًا، ونوَّر قلبي تنويرًا، والله لأحرقنَّ بالمصر دورًا، ولأنبشنَّ بها قبورًا، ولأشفينَّ منها صدورًا، وكفى بالله هاديًا ونصيرًا. ثم قال: برب الحرم والبيت المحرَّم، والركن المكرَّم، والمسجد المعظَّم، وحق ذي القلم ليرفعن لي علم من هنا إلى إضم، ثم إلى أكناف ذي سلم. ثم ادَّعى النبوَّة، وادَّعى أنَّه يُوحَى إليه.
وكان ابن الحنفيَّة رحمه الله حينما علم بانحراف المختار وضلالاته وخاف أن يفتن الناس عن دين الله، عزم على الخروج إلى العراق ليصير إليه الذين اعتقدوا إمامته. فلمَّا سمع المختار بذلك خاف من قدومه العراق ذهاب رياسته فقال لجنده: أنا على بيعة المهدي ولكن للمهدي علامة، وعلامته أن يضرب بالسيف ضربةً فإن لم يقطع السيف جلده فهو المهدي! فلمَّا وصل خبر مقالته هذه إلى ابن الحنفيَّة رحمه الله رجع عن عزمه خوفًا على نفسه من المختار، وتبرَّأ منه.
ولمـَّا ظهر لأهل الكوفة انحراف المختار عن دين الإسلام، وتبيَّنت لهم ضلالته خرجوا عليه ولم يبقَ معه غير السبئيَّة وعبيد أهل الكوفة الذين وعدهم أن يُعطيهم أموال ساداتهم، فقاتل بهم الخارجين عليه، وكان السبئية يقولون له: أنت حجَّة هذا الزمان. وكان له كرسيٌّ قديمٌ قد غشاه بالديباج وزيَّنه بأنواع الزينة، وقال: هذا من ذخائر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وهو كتابوت بني إسرائيل.
فكان إذا حارب قدَّم هذا الكرسي ويقول لأتباعه: قاتِلوا ولكم الظفر والنصرة، وهذا الكرسي محلُّه فيكم محل التابوت في بني إسرائيل وفيه السكينة والبقيَّة والملائكة من فوقكم ينزلون مددًا لكم، وقد قتل الكثير من أهل الكوفة الذين خرجوا عليه وأسر جماعةٍ منهم. وقد كان من بين الأسرى رجلٌ يُقال له سراقة بن مرداس البارقي خاف أن يقتله المختار فقال لآسريه: ما أنتم أسرتمونا ولا أنتم هزمتمونا بعدتكم وإنَّما هزمنا الملائكة الذين رأيناهم على الخيل البلق فوق عسكركم..
فلمَّا بلغ المختار قوله أُعْجِب به وأطلقه فلَحِق بمصعب بن الزبير بالبصرة، وكتب منها إلى المختار يقول:
أَلَا أبلـــــغ أبا إسحــــاق أنِّي رأيت البلق دهمًا مصمتات
أری عَیْنَي ما لم تنــــــظراه كلانا عالـمٌ بالترَّهـــــــــات
كفرت بوعيكم وجعلت نذرًا عليَّ قتالكم حتـــى الممــات
وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد وَلَّى أخاه مصعبًا العراق وقتال المختار، فدخل البصرة وتأهَّب فيها للقضاء على المختار، وخرج من البصرة في سبعة آلاف رجلٍ سوی من انضمَّ إليه من سادات أهل الكوفة، فلمَّا انتهى خبرهم إلى المختار أخرج صاحبه أحمد بن شميط إلى قتال مصعب في ثلاثة آلاف رجلٍ من نخبة عسكرهم، وأخبرهم بأن الظفر يكون لهم. وزعم أنَّ الوحي قد نزل عليه بذلك فالتقى الجيشان بالمدائن، وانهزم أصحاب المختار وقُتِل أميرهم ابن شميط، ورَجِع فلولُهم إلى المختار وقالوا له: لماذا تعدنا بالنصر على عدوِّنا؟ فقال: إنَّ الله قد وعدني ذلك لكنَّه بدا له، ثم قرأ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39].
ثم خرج المختار بنفسه لقتال مصعب بن الزبير بالمذار من ناحية الكوفة، ودارت رحى الحرب ووقعت الهزيمة على المختار وأصحابه فانهزموا إلى دار الإمارة بالكوفة وتحصَّن فيها، فحاصره مصعبٌ فيها أيَّامًا حتی فني طعامه، فخرجوا مستقتلين فقُتِلوا ومعهم المختار وذلك في سنة سبعٍ وستِّين هجريًّا (67هـ).
هذا وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المختار، فقال كما جاء عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنَّها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"سيكون في ثقيف كذابٌ ومبير". وقالت أسماء لــ الحجاج: أمَّا الكذَّاب فقد عرفناه (تعني المختار)، وأمَّا المبير فلا إخالك إلَّا إياه.
خلاصة مذهب المختارية
[۱] - دعواهم إمامة محمَّد بن الحنفية.
[۲] - زعمهم أنَّه الوصي.
[۳] - وأنَّه المهدي المنتظر.
[4] - قولهم بجواز البداء على الله. تعالى عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
[5] - ثم زعم المختار أنَّ الوحي ينزل عليه وادِّعاؤه النبوَّة.
التعليقات
إرسال تعليقك